لماذا نحب صالح علماني !

صالح علماني، المترجم الفذ الذي نقل القارئ العربي إلى عوالم الأدباء اللاتينيين..

بين أغلفة الكتب ..

صورة

حين نرى اسم صالح علماني على أحد أغلفة الروايات اللاتينية المترجمة نمد يدينا ونحن ممتلئين بالثقة بأن هذا المترجم الأديب سينقلنا إلى عوالم مدهشة عوالم الواقعية السحرية بأجمل صورها وخيالاتها ومن ينابيعها الأصلية وبكل المتعة الخالصة نعبها عبّا حتى نمتلىء .. بل إننا  أصبحنا لا ننظر إلى اسم المؤلف و يكفينا أن نتأكد أن علماني هو المترجم .. هذه الثقة التي اكتسبها علماني من القراء لم تأتي من فراغ ولكنها جاءت بعد سنين طويلة من خبرات وتراكمات حفرت اسمه كمترجم في أذهان عشاق الأدب اللاتيني وبدرجة عالية  من الإلتزام تجاه الباحثين عن أكثر من ترجمة من الأسبانية مباشرة إلى اللغة العربية ، الترجمة الإبداعية .

بعد كمية الشهرة والنجاح التي حصدها علماني كمترجم في الوقت الذي لم يحصل على ربعها ككاتب  لم يعد ممكنا أن تأتي كلمة مترجم مرافقة لاسمه إلا وكانت رديفة لها  كلمة البارع أو الموهوب  أو العبقري ، واعترف إنني ممن يشكر الله على تخلي علماني…

View original post 579 كلمة أخرى

هل يمكن بعث الماموث؟

17310240

هل يمكن بعث الماموث؟ بقدر ما هو سؤال بسيط بقدر ما هو معقد. هل يمكن أن يعيد العلم استنساخ حيوان قضى منذ آلاف السنين؟ وليس في مقدوره الحصول على جينات حية منه؟.

يعالج العالم باسكال تاسي بأسلوب علمي مبسط هذه النظريات جميعها.. إنه ينطلق من البحث عن أصل هذا الحيوان المنقرض، وتخيل البيئة التي كان يحيا فيها قبل آلاف السنين بآسيا وإفريقيا. قبل أن يصل إلى السؤال الجوهري حول إمكانية العلم بعثه من جديد أم لا.

يقدم باسكال جوابه القطعي في الكتاب حول عدم إمكانية بعث الماموث من جديد. حسبه أن هذا مستحيل بالمرة مقدما في ذلك عديد الأسباب، أبرزها أن عملية استنساخ أي حيوان تتطلب جينات منه، وهو ما لا يتوفر بالنسبة للماموث (وإن كان تم العثور على عدة جثث للماموث بسيبيريا مجمدة بعد هذا الكتاب). وثانيا أن تلك الجينات يجب أن تكون في حالة جيدة، حتى تأتي منها الفائدة. وثالثا وليس أخيرا أن العلماء يحتاجون للكثير من الجينات وليس واحدة فقط. لأن عمليات الاستنساخ ستفشل كثيرا قبل أن تصيب واحدة منها..

لا يعرف العلماء لحد الآن سبب انقراض الماموث قبل آلاف السنوات. ذلك الكائن النباتي الضخم، هل هو حقا بسبب ارتفاع درجة الحرارة ونقص المراعي.. أم بسبب وحشية الإنسان الذي عمل على اصطياده؟.. تبقى الفرضيات كثيرة.. وما يتوصل إليه باسكال في ختام كتابه بأنه من المستحيل إعادة بعث الماموث. يؤكد على نقطة أخرى وهي وجوب الحفاظ على ما في العالم من حيوانات، خصوصا منها تلك المشرفة على الانقراض..

تحميل مباشر للكتاب :

النقر للوصول إلى ketab0516.pdf

 

رقان حبيبتي

أراد بعض السكان المحليين معرفة لم نحن الذين نملك هذه الأشياء وليسوا هم من يملكونها. شرحنا لهم بأن ذلك يتعلق بالأوامر. كانوا معتادين على الأومار وعلى عدم مناقشتها، لكن الإجابة لم تقنعهم هذه المرة. وكان علينا أن نؤكد، أن نشرح. البزة والبقية تفيد تمييزنا وتفادي تلطيخ لباسنا العسكري. هدأ أغلبهم، ولتهدئة الأكثر قلقا منحناهم تميمة وشرحنا لهم بأنها أداة سحرية تقيهم وتقي الذين من حولهم. والحق أنها كانت عبارة عن مقياس مقادير يفيد قياس نسبة الإشعاعات التي سيستقبلونها بعد التفجير.
انبثق الضوء بعد الساعة السابعة كما تم الإعلان عنه. كأن شمسا ثانية أكبر من الأولى، أو أقرب منها انبثقت من السماء للتو. ورغم الزجاج الداكن لقناع الغاز فقد رأيت كل شيء أسود لمدة دقائق. لم يتحرك أي من السكان المحليين، لكنهم راحوا يصرخون كلهم، وقد شكل ذلك جلبة مرعبة. أظن أنهم أصيبوا كلهم بالعمى.

 

من رواية “رقان حبيبتي” لفكتور مالو سيلفا (ص155)

مكتب البريد، تشارلز بوكوفسكي

Maktab_Barid

غلاف الرواية

 

“مكتب البريد”، أول ما قرأته للكاتب الأمريكي المتمرد تشارلز بوكوفسكي (1920-1994). في هذه الرواية الصادرة بترجمة ريم غنايم عن دار الجمل عام 2014، لا ينفك بوكوفسكي ينقل قارئه إلى دوامة من الأفكار واليوميات من حياة غير اعتيادية لبطل روايته هنري تشيناسكي والمقتبسة خطوطها العريضة من حياته بمكتب البريد لفترة جاوزت العشر سنوات.

يُنقل عن بوكوفسكي قوله مرة “اخترت الكتابة مع الجوع على العمل بمكتب البريد”، وقد جاءت هذه الرواية كنتاج لذلك القرار المصيري في حياته الذي نقله نقلة كبرى في عالم الكتابة الأدبية على الرغم من أن “مكتب البريد” هي أول أعماله الروائية وأشهرها على الإطلاق، والرواية التي اشتغل عليها بعد استقالته الثانية من مكتب البريد عام 1969.

هنري تشيناسكي، بطل الرواية تمتد حياته على أوتار متوازية ينتقل فيما بينها البين.. جنس وسكر وملل من العمل، وضائقة مالية وموت وكآبة وتعاسة إلى غيرها من مرادفات الحياة التي يعيشها التعساء. ومع كل ذلك فالرواية تصنف في خانة الكوميديا السوداء. يمر مقطع هنا وهناك ينقل من خلاله بوكوفسكي قارئه إلى ضحك هستيري قبل أن يقلب عليه الطاولة ليشاركه لحظة حزن بغيض..

استطاع بوكوفسكي أن يشتغل على رواية ساخرة بامتياز، لا يعطي فيها أكثر مما ينتقد الحياة بسخرية لمرارتها. يأخذنا في إطلالة من نافذة تشيناسكي لنسبر معه أغوار العمل بمكتب البريد، ذلك العمل الذي يجعل الإنسان آلة تشتغل روتينيا ولا تقوى على التفكير خارج الإطار الممنوح لها، أجواء المكتب ويوميات العمل والرسائل الضائعة والعناوين البريدية الخاطئة وغيرها..

مقطع من رواية مكتب البريد

|تشارلز بوكوفسكي|

|ترجمة: ريم غنايم|

أخيرا حصلتُ على يوم عطلة، أتدرون ماذا فعلت؟ نهضتُ في وقت مبكر قبل عودة جويس ونزلت إلى السوق للتسوّق قليلاً، وقد أكون جُننت. تجوّلت في السوق، وبدلا من الحصول على شريحة لحم حمراء ولذيذة أو حتى بعض الدجاج المقلي، أتدرون ماذا فعلت؟ ذهبت إلى قسم المأكولات الشرقية وبدأت بتعبئة سلتي بالإخطبوطات والعناكب البحرية والحلزونات والأعشاب البحرية وهكذا دواليك. نظر إليّ البائع نظرة غريبة، وبدأ بتسجيل الأغراض.
عندما عادت جويس في تلك الليلة، كان كلّ شيء مجهّزًا على الطاولة. الأعشاب البحريّة المطبوخة مع العناكب البحريّة وأكوام الحلزونات الذهبيّة المقليّة بالزبد.
اصطحبتها إلى المطبخ واستعرضت أمامها ما كان على الطاولة.

” طبختُ هذا على شرفك”، قلت، “تفانيًا في حبّنا”.
“ما هذا القرف بحقّ الجحيم؟” سألَت.
“حلزونات”.
“حلزونات”؟
“نعم، ألا تفهمين أنه طوال قرون عديدة عاش الشرقيّون بسعادة على هذه الأصناف؟ دعينا نكرّمهم ونكرّم أنفسنا. قليتُها بالزبد”.
دخلت جويس وجلست.
بدأتُ أحشو الحلزونات في فمي.
“يا إلهي، كم هي رائعة، يا حبيبتي! جرّبي واحدة!”
مدّت جويس الشوكة إلى الصّحن وأدخلت واحدة في فمها بينما نظرت إلى الأخرى الموجودة في صحنها..
التقطتُ بشوكتي حفنةً كبيرة من الأعشاب البحرية اللذيذة.
“جيّدة، أليس كذلك يا حبيبتي؟؟”
مضغَت الحلزون في فمها.
“مقلية بالزبد الذهبيّ”!
التقطت بعضها بيدي، والتقمتُها.
“هذا تقليد عمره مئات السنين، يا حبيبتي. ونحن لا يمكننا أن نفوته!”
ابتلعت أخيرًا حلزونها. ثم تأملت ما تبقى في صحنها.

“لجميعها توجد مؤخرات صغيرة! شيء فظيع! مرعب!”

“ما الفظيع في المؤخرة، يا حبيبتي؟”

وضعت منديلا على فمها. نهضت وركضت إلى الحمام. بدأت تتقيأ. صرختُ من المطبخ:
“ماذا يعيب المؤخرات، يا حبيبتي؟ لك موخرة، لي مؤخرة! تذهبين إلى المتجر وتشترين شريحة لحم بقر، وللبقرة مؤخرة! المؤخرة تتجوّل في كلّ الكرة الأرضية! بشكل ما، للشجر مؤخرة، لكن لا يمكن رؤيتها لأنها مغطاة بالأوراق. مؤخرتك، مؤخرتي، العالم يعج بمليارات الأنواع من المؤخرات. للرئيس توجد مؤخرة، للعامل في غسيل سيارات توجد مؤخرة. للقاضي والقاتل توجد مؤخرة… حتى لصاحب الدبوس الأرجواني توجد مؤخرة!”

رابط مباشر لتحميل الرواية: https://archive.org/download/ketab1110/ketab1110.pdf

ولسن الذي فقدته!

الكاتب الإنجليزي كولن ولسن

عدت لقائمة مفضلاتي على موقع bookmarks2  لعلني أجد شيئا مثيرا أطلع عليه بعدما مللت من البحث عن شيء مفيد في النت، كانت هناك الكثير من المواد الالكترونية، روابط لمقالات وفيديوهات ومواقع الكترونية متعددة، بعض من تلك المواد التي أثارت اهتمامي وجدتها قد اختفت، مواقع الكترونية توقفت ولا يوجد لها أرشيف، ومواد أخرى حذفت ربما أو حولت من موقعها الأصلي. وجدتني لفترة مشغولا بتلك المواد التي لم أعثر عليها، من بينها مقالة جميلة أتذكر أني قرأتها حول الكاتب الإنجليزي كولن ولسن صاحب كتاب اللامنتمي في موقع knol الخدمة التي كانت يوفرها غوغل لكتابة المقالات والشبيهة بموسوعة ويكيبيديا قبل أن يقوم بغلقها بعد أن لم تحقق المراد من وجودها. ما بقي في رأسي من تلك المقالة التي إن لم تخيبني ذاكرتي كانت مترجمة هو حديثها عن ولسن انطلاقا من الربط بين ولسن الكاتب العظيم الذي لطالما شغل النقاد والمفكرين وكانت له معهم عداوات كثيرة وولسن الإنسان الذي تشكل من بساطته ذلك الكاتب الفذ.

لم أقرأ لكولن ولسن سوى كتابين اثنين، أولهما كان كتابا جميلا عن الغريزة الجنسية عند الإنسان عنوانه “أصول الدافع الجنسي” صدر عام 1963، قرأته وأنا بعد صغير، ووصل إلى يدي بعد أن أخذته من صديق مع مجموعة أخرى من الكتب عثر عليها بإحدى المزابل. ما أذكره عن ذلك الكتاب الذي كنت أخفيه في مكان لا تستطيع أي يد أن تصل إليه لتتصفحه هو احتواءه على الكثير من التفسيرات الغريبة للرغبة الجنسية عند البشر، مع روايات لحالات جنسية في الغالب شهدها المجتمع الأوروبي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، والذي كان على ما يبدو محافظا ويقمع أي محاولة للتحرر الجسدي ما جعل مكبوتات البعض تتفجر في ظواهر غريبة وأنت تقرأ عنها تحس بالإنفعال ويأسرك ولسن بقدرته على بلوغ الشعور الإنساني العميق الذي يطفو كلما تم فتح حديث عن “الجنس”.

الكتاب الثاني الذي قرأته لهذا المفكر والروائي الذي جلب له كره أقرنائه من الكتاب والصحفيين والنقاد مع أول كتاب نشره قبل أزيد من نصف قرن من الآن، كان هو الآخر كتابا رائعا عالج فيه ولسن عملية الإبداع الروائي، أتى بعنوان “فن الرواية“، واحتوى تحليلات للفن الروائي خصوصا الأوروبي منه وازدهاره في القرن السادس والسابع عشر بأوروبا مع الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وروايته “الويز الجديدة” وغيره من كتاب عصر النهضة، وكذا تحليلات وقراءات في الكثير من الروايات العظيمة والروائيين العالميين الكبار. وكان أكثر ما أفادني به هذا الكتاب، هو كونه أمدني بسبب حقيقي أو ربما مقنع للفائدة المرجوة من وراء قراءة الروايات أو من الروايات في حد ذاتها. كنت حين بدأت في قراءة الكتاب مولعا بالروايات الكلاسيكية وقارئا شرها لأعمال روائيين أوروبيين عثرت على أعمالهم في رفوف قديمة بإحدى دور الشباب بالمدينة التي كنت اقطن بها. ولم أكن مقتنعا بالجدوى من قراءة كل تلك الأعمال على الرغم من أني كنت أقبل عليها بشراهة لاقيا في ذلك إشباع لجوع داخلي، لكن مع سؤال بسيط ضل يشغلني كثيرا وهو ما إن كان لكل تلك الكتب من قيمة حقيقية كونها كانت مجرد قصص من نسج خيال أصحابها!؟. مع كولن ولسن في عمله هذا تخصلت من ذلك السؤال بإجابات مقنعة قدمها الكاتب كنت أميل إليها ولكن بشكوك. بعد قراءتي للكتاب أهديته في أول مسابقة عملنا عليها في مدونة “قرأت لك” قبل عامين من الآن لعل وعسى يستفيد منه قارئ آخر، لكني بالتأكيد سأعمد على اقتناء نسخة أخرى من الكتاب والاحتفاظ به كونه يمثل قيمة حقيقية على كل مكتبة أن تحتويه.

الكتاب الأشهر لولسن “اللامنتمي” والذي نشره حين بلوغه سن الخامسة والعشرين كأول أعماله المطبوعة لم أقرأه، لطالما رغبت بفعل ذلك، لكني لم أصادف نسخة ورقية للكتاب لحد الآن، وعجزت عن قراءة الكتاب بصيغة الكترونية. لكني حتما يجب أن أقرأه في يوم ما، كما سأحاول البحث عن الكتب والروايات الأخرى للفتى الغاضب الذي شغله وجوده في هذا الكون في سن مبكرة فانطبع ذلك على إبداعاته في الكتابة.

المقالة التي فقدتها، حاولت كثيرا أن ابحث عنها لكن بدون جدوى، اختفت وفقط ولم يبقى منها في ذاكرتي سوى تلك الصورة الجميلة التي أتمنى أن لا تنمحى حتى أتدلل بها أكثر على ولسن وعالمه الغريب.

متجر المعرفة

متجر شكسبير وشركاؤه بباريس

قرأت هذه المقالة عن متجر “شكسبير أند كومباني” لبيع الكتب بباريس الذي أسسه جورج ويتمان بعد الحرب العالمية الثانية، وعن بعض الذين زاروه من الكتاب وما أصبح عليه من قدسية مع الزمن كونه تشكل عن ذائقة خاصة لصاحبه في حب الكتب. قرأت كذلك عن بعض الأفلام التي ظهر فيها هذا المتجر، وكنت قد شاهدتها جميعها لكن لسبب ما لم أستطع قبلا أن أربط بين مشاهد المتجر في كل فيلم من تلك الأفلام. الفيلم الوحيد الذي أتذكر فيه لقطات عن المتجر هو فيلم “before sunset”، حيث أن “جيس”، الذي هو كاتب أمريكي يقيم فيه قراءة في روايته ومعها بيع بالتوقيع.
بالنسبة للفيلم لمن لم يشاهده قبلا، هنالك جزء أول له وجزء ثالث وهذا هو جزءه الثاني وقصته تنطوي على الكثير من الرومانسية التي تزخر بها الليالي الباريسية. والغريب أن هذا الفيلم كان على لائحة التدوينات التي سأكتبها قبل أن يقدر لي ذكره هنا، وسأحكي عنه بالتفصيل في موعد لاحق.
أما عن المتجر فإنك حين تقرأ المقالة وتقرأ عن كل أولئك العظماء من الأدباء الذين حطوا به الرحال على غرار راي برادبيري وهنري ميلر وهم قبلة القراء من جميع دول العالم بلا استثناء تتساءل غيضا حميدا، لم لا توجد لدينا متاجر مماثلة؟، متاجر لا تبيع كتبا فقط وكأنها سلعة جامدة لا روح فيها. وإنما متاجر تكون قبلة للثقافة والمثقفين والجامعيين والباحثين عما يروي ضمأهم من المعرفة. لما لا تكون لدينا متاجر تقيم ندوات للكتاب الذين ينشرون جديد أعمالهم فتنقلهم بذلك للجمهور من بابه الواسع، وتشكل جسرا يربطهم بقارئهم. وهي هنا تسوق لسلعتها وتربح من وراء ذلك الكثير.. إنه عمل بالكاد يحتاج تنظيما كبيرا أو شغلا زائدا عما هو عليه الحال حين يكون المتجر قبلة للقراء.
في الجزائر العاصمة يندر أن تجد متجرا للكتب وقد احتفى بكتاب جديد، أو كاتب مهما عظم أو صغر شأنه في عالم الكتابة. من دون ذكر انعدام الكتب الصادرة حديثاً في غالب الأحيان وما يواجهك به الباعة من استغراب أنت العاشق للكتب حين تسأل عن عناوين محددة وكأنهم يبيعون في متاجرهم تلك العدس والدقيق وليست الكتب.
أليس هذا ما يجب أن يكون عليه الأمر كي نرتقي قليلا بمستقبل هذه الصناعة في بلادنا لترتقي معها عقولنا وبالتالي واقعنا إلى مستوى أرفع. أليس هذا ما يجب أن يتحول إلى سنة حميدة رغم أنه طبيعي جدا أن تجد لك متجرا لبيع الكتب وقد قدم من هنا كتابا جديدا لصاحبه، واحتفى من هناك بكاتب شاب وآخر مثلنا في جائزة مرموقة وآخر استضاف ضيفا من ضيوف الجزائر وهم كثيرون ربطا لأواصل المعرفة وتسويقا للمحلي من الكتاب إلى خارج الحدود… لم لا؟.
شيء واحد أريد قوله في الأخير، أليس معروفا عنا أننا نستورد من الفرنسيين كل شيء يتعلق بكيفية إدارة شؤون حياتنا. أليس بالإمكان طبقا لهذه السُنة أن نستورد منهم هذه العادة في إدارة متجر للمعرفة؟.

رقص.. رقص.. رقص، هاروكي موراكامي

IMG_1687

حين هممت بقراءة هذه الرواية لم أكن أنوي قراءتها فعلا، كان في نيتي أن أرتشف منها صفحات كتحلية قبلية لالتهامها فيما بعد. لكن مع قراءة صفحات قليلة منها وجدتني أغوص فيها عميقا لصفحات أخرى وأخرى بعد، ولم أتوقف أو تُوقفني بالأحرى سوى دقات الساعة منتصف الليل معلنة عن موعد النوم الذي سيحافظ على استيقاظي باكرا من دون ألم في مؤخرة الرأس. وقد كنت عندها قرأت من الرواية 150 صفحة بعد أن كنت قرأت في نفس اليوم رواية من مئتي صفحة..
على عادة روايات هاروكي، تستقبلك بتحية لطيفة قبل أن تسرقك بشدة لعوالمها الخاصة من غير قدرة منك على المقاومة أو الشعور بالملل. بل وأنت في هذه الحالة تصبح أكثر قابلية للغوص في أحداث ومجريات القصة أكثر فأكثر مثلما كان الحال تماما مع بطل الرواية الذي خذلته أطراف جسده في التقدم ولو شبرا واحدا في الطابق 16 لفندق الدلفين بعد أن أظلم من حوله كل شيء. وأصبح كل شيء يأخذه برغبة منه لغرفة الرجل المقنع، وهذه أصدقائي البداية الحقيقية في روايتنا هذه..

لا أقول إنها أفضل من “كافكا على الشاطئ” تبقى تلك الرواية رائعة هاروكي الخاصة، غير أن لرقص.. رقص.. رقص نكهتها الخاصة وإن كان هاروكي كتبها بنفس أسلوب كتابة كافكا على الشاطئ، نفس اللغة والمجازات الأدبية.. في قصته يعود بطل الرواية الذي يشتغل كصحفي خاص يكتب مقالات في مجال الطعام، يعود للبحث عن غانية التقاها في ما مضى في فندق يدعى الدلفين بإحدى المدن الصغيرة. فندق صغير وحقير صاحبه رجل عجوز، لكن بطل القصة يفاجأ بوجود فندق أفخم وأرقى في نفس المكان وبنفس الإسم دون وجود الرجل العجوز، ومع قضائه يوما في الفندق من دون أن يحصل على إجابة حول وجود الفتاة أو أي معلومة عن الفندق السابق يقرر البقاء أياما أخرى يلتقي فيها أشخاصا يسير معهم في البحث عن قصة الفندق الفخم وقصة حبيبته المختفية.
كي لا أحرق لكم أحداث الرواية تأكدوا فقط إن كنت تشعرون بالنعاس ألا تقرأوها لأنها ستطير بالنعاس من أعينكم :p.

لتحميل الرواية برابط مباشر: https://archive.org/download/ketab0792/ketab0792.pdf

نوع جديد من البشر!

اقتباس

تعرفت من خلال غسان، على نوع جديد وفريد من البشر. فصيلة جديدة ونادرة. اكتشفت أناسا أغرب من قبائل الأمازون، أو القبائل الإفريقية التي يتم اكتشافها بين حين وآخر. أناس ينتمون إلى مكان لا ينتمون إليه.. أو.. أناس لا ينتمون إلى مكان ينتمون إليه.. استعصت الفكرة على فهمي. أرهقت غسان في طلب التوضيح. وبعد محاولات عدت لتبسيط الفكرة، تمكن عقلي من هضمها بصعوبة!

اقتباس من رواية “ساق البامبو” لسعود السنعوسي

قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب

IMG_1106

“سيدي، أثناء كتابتي لهذه القصة، وصلت إلى نتيجة ثانية أن كتابة قصة حب ذات نهاية سعيدة ليست في قدر كتاب من جيلي..”..
بهذا المقطع ينهي الكاتب الإيراني شهريار مندني بور رائعته “قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب”، بعد أن ابتدأها برغبته في كتابة رواية تنتهي نهاية سعيدة وتخلو من الحزن والهم الذي دوما ما يعتري الشخصيات الروائية ويدفع بالقراء إلى الغرق في مستنقع الحزن أياما عديدة.
بسخرية ممزوجة بالألم تحاكي الرواية واقع المجتمع الإيراني بعد الثورة الإسلامية المحكوم بضيق القوانين وفضاضة رجل القانون فيما يخص الحرية الاجتماعية، لا سيما تلك التي تخضع لرابط العلاقة بين الجنسين الذكر والأنثى وتطلعات كل منهما لمد جسر التواصل مع الآخر من دون تدخل وتنغيص دورية مكافحة الفساد الاجتماعي، ورجل الدين المحكوم بسياسة لا تمت للدين بصلة قرابة ولا بأي صلة أخرى..
عبر شخصيتيهما المختلفتين، يرتع دارا وسارا في قصة رومانسية يكتبها مندني بور بالتوافق مع رغبات الرقيب “السيد بيتروفيتش” التي يفرضها الواقع الإيراني ممليا عليه تبدلة/حذف/إضافة مقطع من هنا وجملة من هناك لتركب القصة وتكتمل حسب أهواء “الشرع”!. إلا أن الكاتب الذكي وقليل الحيلة في آن يخرج نفسه من مشهد القصة، من خالق للشخصيات إلى مجرد مشاهد وقارئ هو الآخر في تعبير قوي عن رغبات صامتة ظاهريا متأججة باطنيا يحملها واقع يخيب أمله يوما بعد يوما بتحقيق رغباته المتعلقة بالتواصل مع الآخر من دون أن يحسب هذا على أنه “تعدي على الذوق العام” أو نشر الرذيلة ومس بالأخلاق الاجتماعية الإيرانية..
أكثر ما جعل الرواية مميزة في نظري ليست هي قصة الحب التي تحتويها بقدر أسلوب الكاتب الذي جعل منها رغم بساطتها تثير رغبة أي قارئ في أن يستكملها بشغف ويذهب مع أحداثها للأخير من دون أن يشهر الملل سيفه في وجهه أو أن يتخطى بالقارئ الرغبة في التفاعل مع أحداثها..

هذه الرواية هي ثالث عمل إيراني أقرأه خلال هذا العام بعد رواية “بنات إيران” لناهيد رشلان وسيرة الكاتبة آذر نفيسي “أشياء كنت ساكتة عنها”، زادتني رغبة في الإطلاع على شذرات أخر من الأدب الإيراني والتقرب أكثر من تلك البيئة التي تجعل المرء شغوفا باستكشافها كلما أطل عليها أكثر وأكثر..

لتحميل الرواية برابط مباشر: https://archive.org/download/ketab00279/ketab0279.pdf

بين الجزيرة والثورة، علي الظفيري

 

بين الجزيرة والثورة

لا أعرف لم أخرج علي الظفيري كتابه “بين الجزيرة والثورة” بهذا الشكل، بادءا إياه بحديث عن طفولته المثقلة بالأسى في ربوع دولة الكويت التي شهد فيها قوات صدام تتقدم محتلة أرضا كان فيها الغريب كما قوات صدام، ومن ثم حديثه عن عمله بالتلفزيون السعودي وكيفية استبعاده من العمل بقناة الإخبارية السعودية التي كان يعول عليها آنذاك (بداية الألفية الجديدة) في منافسة قنوات عربية رائدة، إلى انتقاله مباشرة للحديث عن يومياته خلال الثورات العربية وهو مذيع ومقدم برنامج على قناة الجزيرة. كل ذلك تحت عنوان واحد (بين الجزيرة والثورة) لم أعتقده ولا صفحات الكتاب القليلة بقادر على لم معايشاته لواقع الثورات العربية وتحولات الإعلام العربي بعد وثبة الجزيرة، فضلا عن طفولته بعيدا عن وطنه السعودية.

كان يمكن للكتاب أن يكون شاهدا مهما على فترات مهمة من تاريخ، ليس الإعلام العربي فحسب بل وكذا الواقع الاجتماعي والتحول السياسي في الوطن العربي عقب الثورات التي شهدها ابتداء من نهاية عام 2010 إلى غاية إخراج الكتاب العام 2012. لما يملكه مؤلفه من الذخائر المعرفية والاسم الإعلامي اللذان يمكناه من الاستزادة في ما فاته من شواهد.
ورغم ذلك فالكتاب (الصادر عن منشورات الشبكة العربية للأبحاث عام 2012)، من كتب المذكرات التي أرخت بشكل ما لثورات الربيع العربي. خصوصا وأنها انبثقت من رحم إعلامي فاعل في مبنى قناة الجزيرة، المنبر الإعلامي الأبرز في الوطن العربي وكذا المنبر الحاشد لصوت ثوار تونس ومصر وما بعدهما من ثوار دول عربية اخرى اختنقت بدكتاتوريات السبعينات والثمانينات. فالجزيرة كانت هي اللاعب الثاني عشر في الميدان، تنقل بالصوت والصورة صرخات الحناجر المنادية بالحرية، كما تنقل الاعتداءات الوحشية والهمجية التي مارستها ضدهم قوات الشرطة والشرطة السرية في الميادين لثنيهم عن إطلاق العنان لأحلامهم إلى حد بلوغ زعزعة عروش سلاطين العرب الدكتاتوريين.
تعبير الظفيري في هذا الكتاب عن حماسه لثورات الربيع العربي فائق الحدود، يشعر القارئ بمدى ذلك الالتجام بينه وبين الثوار في الميادين روحيا، يحمل في تكوينه ذلك الحلم الكبير بالتحرر يوما ما من الدكتاتوريات، تفاعل مع الصغيرة والكبيرة، تصاعد في خلجه فرح غامر بحزن مرير، فرح بتلك الأصوات التي صدحت بها حناجر الثوار في الميادين وحزن لصديقه مصور الجزيرة الذي قتل في ليبيا كما حزن على من استشهد تحت نيران الدكتاتوريات من ثوار شباب ضحوا بأغلى ما يملكون فداءه للوطن، أرواحهم النفيسة.

السفر مع الظفيري في حكايته من طفولته إلى يومياته مع الثورات العربية ممتع، وإن كما أشرت سابقا كان الكتاب ليكون أجمل وأكمل لو فصل الظفيري في المحطات التي مر عليها ورتب من رحلته انطلاقا من طفولته بالكويت إلى استقراره للعمل بقطر.

للمزيد:
قراءة في الكتاب على موقع الجزيرة نت 

علي الظفيري  

 الكتاب على غودريدز