اقرأ كل ما كُتب عليه اسم الله

 

كل برامج ومهرجانات القراءة تحوي نقصا كبيرا في الارشاد لها ، ذلك أن القراءة لا تتعلق بالكتاب الورقي فقط ، كل تلك الكتب والمطويات والمجلات والدعوات وقعت في هذا الخطأ وهو الدعوة للكتاب الورقي او المطبوعات فقط .

الكتابة كما تُعرف هي عبارة عن رموز مُصطلح عليها ، لامعنى لها في ذاتها –الا حروف ذات اهمية خاصة لن نتحدث عنها هنا لأنها ليست موضوعنا – لذا فالقراءة فعل لا يقع على الكتاب الورقي فقط ، انما على كل شيء يحمل رمزا لأن كل شيء يحمل رمزا هو كتابة ما .
ألا ترون الى تعبير (قراءة الكف ، الفنجان ، النجوم وقراءة السحاب عند الهنود الحمر)؟ لا يهمنا هنا مصداقية هذه العلوم انما يهمنا فعل القراءة فقط .وانه لا يكون للكتاب الورقي فقط .

اذن لماذا التركيز على المطبوعات العادية ؟ الله قال لنبيه ((اقرأ باسم ربك )) ومعناها انه يجب ان تقرأ كل شيء عليه اسم الله وكل شيء في الحقيقة يحمل طابع الصنعة الالهية وداخل تحت قوله تعالى “صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ” ، فلا شيء يخرج عن اسم الله وانت تستطيع ان تقول لكل شيء انه مخلوق لله تعالى وان تلصق به اسم الله بشكل من الاشكال .لذا قال العلماء ان اسماء معينة كناقة الله وبيت الله و اهل الله وخاصته -عن الذين يحفظون القراءن- لا تحمل معناها الحقيقي انما المجازي .. لذا فكل شيء انما هو لله تعالى .

لهذا فامر ‘اقرأ ‘ شامل لكل شيء .

ولهذا فالكتابة ايضاً لا تعني الكتابة العادية او الورقية او المطبوعة فحسب التي نعرفها ، بعض الأحاديث تقول ان اول ما خلق الله هو القلم واللوح المحفوظ لا يحوي كتابة عادية وقوله تعالى (كتاب مرقوم ) (إن كتاب الأبرار لفي عليين) و الاحاديث التي تخبر ان هناك ملائكة حفظة يكتبون كل ما نعمله ، كل ذلك ليس معناه الكتابة بمفهومها العادي الذي نعرفه .

ولأقرّب الفكرة الى الفهم أكثر ، هناك حديث يقول(خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا فقال للذي في يده اليمنى هذا كتابٌ من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ثم قال للذي في شماله هذا كتابٌ من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان قد فرغ منه؟ فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريقٌ من الجنة وفريقٌ في السعير) .

ليبين لهم صلى الله عليه وسلم ان الامور مقدّرة تماما وتمّت ، وسئل في حديث اخر : اذن الا ندع العمل ونتكل على الكتاب ، فقال لا بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له .
والمهم هنا في موضوعنا هو الكتاب الذي كان يحمله النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال العلامة بن عربي انه من غير المعقول ان يحوي كتاب مادي عادي مهما كان حجمه كل اسماء اهل الجنة او النار .. لذا فالاكيد ان هذا الكتاب ليس عاديا وهو ايضا ليس مكتوبا باللغة العادية التي نعرفها ..

الحديث ايضا لمن يشك في الامر صحيح ..

والكتابة لها تأثير معين اذا كُتبت بطريقة ما في هذا الكون الحسي المادي ، فمثلا وجود القراءن فقط له تاثير معلوم ، وقالوا ان الحروف المقطعة في اوائل السور هي عبارة عن اقفال لحفظ القراءن من التحريف .. كما نرى تاثيرها في القصة التي سنرويها هنا وهي قصة سيدنا عمرو بن العاص عندما رأى اهل مصر يرمون للنيل كل عام عذراء كي يكون خصبا ويفيض عليهم فأمرهم سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه ان يتوقفوا ففي العام القادم لم يفيض النيل واتت سنة قحط .. فأرسل سيدنا عمرو لسيدنا عمر بن الخطاب خليفة العصر فأرسل له بطاقة امره ان يلقيها في النيل فاصبح يفيض كعادته .والبطاقة كتب فيها ” من عبد الله عمر أمير المؤمنين الي نيل مصر ( أما بعد ) فإن كنت تجري من قِبَلِك فلا تجرِ ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك “،فألقي عمرو بن العاص بالبطاقة في النيل فأصبح في اليوم التالي وقد أجري الله النيل 16 ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك الليلة -اي التي يرمون فيها العذراء-عن أهل مصر الى اليوم و انتهت عادة عروس النيل إلى اليوم ،رضي الله عن عمر وعن صحابة نبيه والتابعين.

الامر الاخر هو ان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يكتب للصبيان “اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ” حفظا لهم من العين والسحر .وهي ليست تميمة لمن شك في الأمر.

اذن الله خلق اول مرة القلم فكتب ما كان وما يكون ، وخلقنا وجعلنا بين ملكين يكتبان ، وامر بكتب كل شيء عنا ويوم القيامة نتلقى صحائفنا ، فمعنى الكتابة قدسي تماما ولهذا نفهم لماذا سمّى المصريون القدامى كتابتهم ” الهيروغليفية ” اي الكتابة المقدسة ، او عندنا هنا عند الامازيغ “التيفيناغ ” اي الكتابة النازلة من السماء .فقلنا ان الكتابة قدسية وكل من ضيّع القراءة او الكتابة فقد ضيع اهم شيء وجد في هذا الكون.. وما هو هذا الشيء؟ هو العلم ، ومفتاحه هو :الكتابة .فالمثل يقول العلم صيد والكتابة قيد .
فالكون كله مكتوبٌ برموز مختلفة باختلاف اجناس الموجودين فيه ، ومرّات يمنح الله القدرة لبعض عباده كي يعلم باقي البشر انه ليس النوع الوحيد الذي ينطق نطقا ما ، فسيدنا سليمان علمه الله منطق الطير و النمل وانواعا مختلفة ..

والمعجزات تقول ان الضب و الغزال و الجذع و الجمل تكلموا لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع مختلفة بل وحتى الحجر نطق له وسلّم عليه .

ما يمكن تلخيصه ببساطة هنا هو ان الكون دوما ما يتحدث ويقول ولا يكف عن الكتابة برموزه المختلفة ، علينا فقط القراءة والاستفادة منه .

 

 

أضف تعليق